الأحد، 17 أبريل 2011









لبيكَ اللهُمَ لَبيك  ، لَبيكَ لآ شريكَ لكَ لبيك / إنَ الحمدَ والنعمة لَكَ والمُلك لآ شَريكَ لك 

مِن آبار عَلي سار الركبُ بنا ، مُتجهينَ إلى مكة المُكرمة لآداء ما بدأنا بهِ .. مناسك العُمرة ، 

الرِجال بالأبيض إزدانوا .. جَلسوا في المقدمة والنساء جلسنا في المؤخرة ..
انا بعدَ الإغماء الذي  أصابني .. سكنتُ عن الحركة والكلام ، عرضوا عليّ مجدداً الطعام فَلم أرغب بهِ / لآ اشعر بالجوع ولا بالعطش مجرد تَعب أرهقني – وَزكام لفّ رئتيّ فالمُكيف الهوائي ينفثُ فوق رؤسهم هواءً منعشاً .. وفوقي انا سُماً ، جَعلني مريضة ، مَريضة .

حاولتُ  النومَ لم أستطع .. تارة اجلس ، تارة انام – وامي حائرة مَعي .. رغم ان التعب اضناها هي الأخرى لكنها جالستني علني أرتاحُ قليلاً .. مرت الساعات الخمسة ببطئٍ شديد -

فَمن آبار علي وحتى مَكة المكرمة ما يقارب 5 ساعات ،

قبلَ ان نصلَ حدودَ مكة ، بعدَ ان أرخى الليلُ سدولهُ .. أصابتني موجة من الألم مزقت احشائي – هلوسة .. اتكلم اشياءً غير مفهومة .. واتألم .

الشيء المُضحك الذي حدث .. هوَ انني كنتُ مغمضة العينين لكنني لستُ نائمة .. مجرد مغمضة – سمعتُ جلبة حدثت في الحافلة .. فتحت عيني وكلمتُ امي .. ماذا هناك ، قالت لي : وصلنا مَكة والحمدلله ..

هل رأيتُم مرة الرسوم المتحركة ؟ عندما تلقي ساحرة ما  بعصاها السحرية فيتحول اليابس إلى أخضر .. والفقيرة إلى اميرة ؟ والعصافيرُ تزقزق في السماء ؟ وأن كُلَ شيءٍ على ما يرام ؟

هذا ما حدث معي والله .. تفاصيلُ المرض التي أرهقتني وأصابتني منذ ساعات الصباح الاولى وحالة الاغماء كُلها تبخرت وراحت في مهبِ الريح الخفيفِ في الخارج ، مع حركة السيارات .
انتعشَ قلبي لمجرد اننا وصلنا إلى مكة المُكرمة .. الشعور والله العظيم لآ يُوصف -
سارت الحافلة نحوَ الفندق الذي سَنقيم فيهِ يُدعى نجمة الراشدين .. بعد حوالي نصف ساعة من بحثنا ، وجدناهُ نَزلَ عمي وهو أميرُ الباص ليرى الفندق ونستعد للنزول ، لكنهُ عاد بعدَ عشرة دقائق وقال الفندق بحالة يرثى لها .. غًيرنا وجهة الحافلة وتوجهنا إلى فندقٍ آخر ، إستمرت العملية أيضاً نصف ساعة .. رُغم أننا وصلنا مكة الساعة الثامنة والنصف مساءً .
أخيراً وجدنا الفندق عاد عمي من جديد ليسأل عن حال الفندق ، فعاد َ واخبرنا انهُ ممتاز نوعا ما ونستطيع الاستقرار فيهِ ، يقع الفندق في إحدى الحارات المكية ، ويبعد عن الحرم المكي ، 20 دقيقة سيراً تقريباً .

أفرغنا الحافلة من أنفسنا واغراضنا وحقائب السفر وكلَ شيء .. دخلنا الفندق وضعنا امتعتنا جانباً في الغُرف المحددة لنا ، الساعة كانت قد بلغت الحادية عَشرَ مساءً ، توجهنا بعد َ ذلك سيراً على الأقدام متجهين نَحوَ الحرمَ المكي لإكمال العُمرة ...
قَلبي كان في حالة استنفار  يكادُ يخرجُ من ضلوعي ، فبعدَ أقل من 20 دقيقة سَ أواجهُ الكعبة وجها ً لوجه ،





يُــتبع


الخميس، 14 أبريل 2011



/



هَل جربتـُم يَوماً ذاكَ الشعور البغيض ؟ المُسمَى دوار السَفر ؟
، انا جربتهُ وعشتُ تفاصيلهُ لمدة يوم ونصف اليوم في الحافلة أثناءَ السَفر .. 

بعدَ دخول الحدود السعودية العربية بحوالي ساعة .. توقفت الحافلة للاستراحة / الساعة الثالثة فجراً ، أمي حفظها الله وضعت الطعام على الطاولة لنتناول وجبتنا .
الحمد لله أكلتُ منهُ شيئاً سدَ جوعي ، لإكمال السَفر بمعدة مليئة ونفسية جيدة ..
بعد ذلك عدنا إلى الحافلة لإكمال مسيرنا نَحوَ مكة حماها الله ، 

مزاجيات مختلفة في الحافلة ، أوجاع أصابتني ودوار بدأ يعتمل في جَسدي ، الشعور مُزعج والله .. كنتُ احاول النوم قليلا بين الفينة والاخرى ،  لكن أيُ نومٍ ذاك .
أشرقت شمسُ اليوم الثاني من السَفر .. والحافلة تشقُ طريقها في الصحراء .. درجة الحرارة مرتفعة ، والمكيف الهوائي ينفث فوق رؤوسنا بقوة مُتعبة ، - لَم اخبركُم انا اعاني حساسية إتجاه هواء المكيف منذ الطفولة ، وذاك استمر معي في الكِبر أيضاً ، فمنذ سَفرنا وأنا اعاني من سُعالٍ خفيف وضيق في التنفس بسببهِ ، وزاد على ذلك الدُوار البغيض .
أصابني الإعياء بقوة والمَسير قد طال ، كانوا يعرضون عليّ الطعام والشراب لكنني كنتُ ارفضهُ بقوة ، فليس لي القدرة حتى ان أراهُ امامي . 

عدتُ مجددا أحاول ُ النومَ ، فلآ اعرف كيف أخيراً استسلمتُ لهُ ، أظنَ ان التعب قد أخذ مني مأخذاً كبيراً ..

اثناء نومي سَمعتُ احدهم يتكلم بالمكبر الصوتي -  الميكرفون يُخبرنا عن قربنا من منطقة آبار علي ، وهي نقطة الميقات لأهلِ الشام ، أي نحن ، للإحرام من هناك وبذلك نبدأ مناسك العُمرة الأولى ..
بدأ يشرح لنا تفاصيلَ العُمرة وما علينا فعلهُ هناك وما إلى ذلك ، 

بعد نصف ساعة من حديثهِ الذي أحدث جلبة بين المسافرين لتخضير انفسهم ، وصلنا بحمدِ الله نقطة الميقات ، توقفت الحافلة بجانب مسجدٍ كبير ، وكان هناك حافلاتٌ اخرى لشعوب َ كثيرة تتحدث لغاتٍ عدة اعتدتُ على رؤيتهم في شاشات التلفزة فقط وسماعهم ..
بعدَ بُرهة كان الجميع خارج الحافلة لتحضير أنفسهم والإحرام ، معشرَ الرِجال وهُم حوالي 10 ذهبوا لتحضير أنفسهم ، ونحنُ النساء توجهنا إلى قسم النساء للتجهيز انفسنا والإحرام أيضا ،

والخطوة الأولى بِ أداء العمرة هي : الإستحمام والوضوء ولبس ثيابٍ نظيفة والخروج بعد ذلك للمسجد والصلاة ركعتين بنية العُمرة ، وقول : نويتُ آداء العُمرة عن نفسي لله تعالى ، اللهُمَ تقبلها مني ويسرها لي
.
انا وامي ذهبنا مع الجميع لقسم النساء للإستحمام ، كُنتَ ما ازال اعاني من دوار السَفر وإعياء شديد هزني بشدة وأرهقني ، كنتُ اسير كالأموات معها ، جلست على أرضية الحمام مغمضة العينين أنتظر أمي ، بعد ربع ساعة جاء دوري – لم أقوى على الوقوف لكنني أجبرت نفسي على ذلك فليس امامنا متسعٌ كبير من الوقت ، بعد حوالي 20 دقيقة خرجت انا ، وضعتُ حجابي وخرجت معي امي للمسجد لآداء ركعتين بنية العمرة ، كان هناكَ جموعٌ كثيرة من النساء منهن يتحدث والآخر يصلي ، بدأت امي في الصلاة ، وانا معها ، بعد تكبيرة الإحرام بدأت بالسورة الفاتحة وسورةٍ قصيرة – هويتُ على الارض ، اصابني الإغماء اثناء الصلاة ، لم أستطع تحمل ذاك التعب .

جاءتني امي ومن حست الحظ انها كانت قد بدأت الصلاة قبلي وأنهتها – اسندت رأسي وحاولت التكلمَ معي ، فأخبرتها بصوتٍ متعب أنني مريضة جدا . قالت لي نامي قليلا علني أشعر بتحسنٍ طفيف – فأنا منذ إثني عشر ساعة لم أذق شيئاً من الطعام ، سوى بضع لقيمات من الماء .   



 

















يــُتبع

الاثنين، 11 أبريل 2011











بعد مَراسم الدَفن والجَنازة ، جاء دَورنا نَحنُ ، لــِ توديعنا -
الساعة الثانية بعد ظهر ذاكَ اليوم الغريب ، إجتمعَ الجميع لتوديعنا فإن نسيتم ، نحنُ مسافرون ولا مَفر من تأجيل السَفر أكثر .
حقائبُ السَفر وضعت جميعها في الحافلة ، وسائقها ينتظر منّا ركوبها للانطلاق ، لكن ألمُ الفراقِ كان صَعباً جدا جدا خصوصا في مثلِ ذاكَ الظرف الذي حدث فَجر ذاكَ اليوم  .
للوَهلةِ الأولى تعمدتُ كبتَ نفسي عنِ البُكاء ، لَكنَ وجوههم التي نتظرُ إلينا مَجبولة بالشفقة وشيئاَ من الحَسرة فَ نحن لَن نكونَ معهم ، خلالَ أيامِ العزاءِ الثلاثة ، بَل سَنكون بعيدين مسافة 1500 كيلو متر عنهم ، في دولةٍ أخرى ، في بلدٍ أخر .
جَعلتني أبكي أكثر فأكثر ..

بعدَ نصف ساعة من التَوديع والدموع المَسكوبة ، ركبنا الحَافلة
، ويممنا وجوهنا شَطر المسجد الحَرام – نَحو بلد الحَرمين ، وعيونهم تُشيعنا بنظراتٍ كثيرة .

أجواء الحافلة كانت غريبة ، تارة صاخبة ، وألفُ تارة يعلوها هدوء الأموات الذي خلفناهُ وراءنا هُناك .
بعد حوالي ساعة وشيئاً قليل وصلنا الحدود الإسرائيلية ، الفاصلة مع الحدود الأردنية ، توقفنا هناك حوالي النصف ساعة ننتظر منهم إشارة للدخول ، وبحمدِ الله إجتزنا العقبة الأولى ، داخلين
المملكة الأردنية الهاشمية .

أما انا فكنتُ في نفسية شبه مرتاحة تقريباً ، أو بالأحرى أحاولُ أن أعودُ نفسي على ذلك ، فمتاعب السفرِ كثيرة ، وخصوصا عليَ ، فلستُ من هواة ركوب الحافلة و السفر فيها لمسافاتٍ طويلة جدا ،
عدا عن الدوار الذي سَيصيبني قريباً صاحباً معهُ تفاصيلَ  المرض ، وسترون ذلك لآحقاً .

مَرّ الوَقتُ علينا مرورَ الكـِرام ، فأما نتحدث ، او نستمع للأناشيد ، او نتذكر أحداثَ موت جَدي رحمهُ الله التي أفجعتنا جميعاً وهكذا . طبعاً الأمر لآ يخلو من الاستراحات على الطريق ، وأحاديثُ الكبار التي لا تنتهي .

خيمَ الليل وسارت الحافلة وَسط جموعٍ غفيرة من الظلام ، وإستسلمنا أخيراً لنومٍ مزعجٍ متقلب -

الساعة الثانية عشرَ منتصفَ الليل – وصلنا الحدود َ الاردنية السعودية ، وهنا واجهتنا العقبة الاولى ..
طلبوا مننا فحص جوزات السَفر – حتى يتسنى لهم اعطاءنا تأشيرة الدخول ،
قام أحد أفراد الجيش الأردني بفحص جوزات السفر لجميع الراكبين ، بعد ذلك قاموا بإعطائنا تأشيرة الدخول ،
سارت الحافلة قليلا نحوَ الحدود السعودية ، أمورنا بأن نخلي الحافلة والتوجه للمكتب لفحص الجواز الأردني وختمهِ .
بعد حوالي نصف ساعة إنتهت هذه المُهمة  ، لكننا لم نعد للحافلة إذ طلبوا من سائق الحافلة ، ركنها في موقف الحافلات ، بعد ان أخلينا الحافلة من جميع ما تحويهِ ، من اغراضنا الشخصية والحقائب ، فهم يريدون إدخال مجموعة من الكلاب لتفتيش الحافلة من المخدرات ، استغربت بادئ الأمر ، ولم أعرف لما كل ذلك ، سألتُ أمي : فأخبرتني أن ذلك من باب الإحتياط رغم انهم يعرفون اننا لآ نملك تلك الأمور ، فقط  الحذر واجب .

بعد ساعة تقريباً وعواء الكلاب يملأ ارجاء المكان ، إنتهت مهمة التفتيش ، اعدنا محتوياتنا لداخلها ، وعدنا نحنُ بدورنا للحافلة ، وبذلك نكون قَد دخلنا
حدود المملكة العربية  السعودية الساعة  الثانية والنصف فَجرَ  اليوم الثاني من السَفر ...




 





يــُتبع


 

السبت، 9 أبريل 2011

 لَم استطع تمالك نفسي والبقاء وحيدة في المنزل ، بينما الجميع هناك قابعون في بيت جدي رحمهُ الله ،
الا تعتقدون ان كلمة رَحمهُ الله ، بغض النظر اننا يجب ان نقولها ، إلآ انها كلمة تدل ان الشخص المعني أصبح من عداد الماضي ؟ وانهُ اسمهُ الان مُدون في سجل الأموات ؟ عَني انا إلى الان لم أعتد ِ الفِكرة  بعد ، فَ مُجرد قَول رحمهُ الله ، تًعودُ ذاكرتي بسرد احداث تلك الليلة المشؤومة . 


بعدَ مغادرة أبي وأمي واخوتي الكِبار منازلهم ، قمتُ باللحاق بِهم تقريباً بعد ساعة ونصف ، أي قبيل صلاة الفجر بِ خَمسة واربعين دقيقة ، دَخلتُ بيتَ جَدي ، فَلم أسمع سِوى الصَمت يخيمُ على أرجاء المكان ، صمتُ قاتل ، يحدثُ الجميع بأنَ ريبٌ ما قد حصل هنا ، جلستُ في حُجرة إبنة عمي ، صامتين  نبحث في التلفاز عن قناة للقران الكَريم ،
وبينَ الفينة والأخرى يصلني همسُ جَدتي يقول : إصمتن لا تبكين ، فتلوذ هي صامتة خلف مَوجةٍ مكتومة من البكاء المَرير . فأبكي انا بدوري بألمٍ مَريض .


بعدَ إقامة صلاة الفَجر ، بنصف ساعة عُدت إلى المَنزل مُنهكة ، فأنا لم أذق طعم النوم سوى نصف ساعة تلك الليلة ، وبذلك أكون قد قضيتُ 24 ساعة مستيقظة .
دخلتُ غرفتي واستسلمت جفوني لنومٍ متقلب وأحلامٍ مُزعجة ..
أحسست على جَلبة في البيت الساعة التاسعة صباحاً ، كانت أمي قد عادت ، طَلبت مني أن أستيقظ وأذهب معها إلى بيت العَزاء .
صَحيح لَم أخبركُم ، كان من المفروض ان يكون سَفرنا الساعة السابعة والنصف صباحا من ذاكَ اليوم ، لَكنهم قاموا بتأجيل السَفر إلى ما بعدَ مراسم الجنازة والدَفن ، أي الساعة الثانية عصراً .


عند دخولي إلى بيت العَزاء ، كانَ هُناك الكثير من الوجوه المألوفة لي والبعض لآ اعرفها ، جلسنا هُناك ننتظر بأن يحضروا جَدي إلى مَجلسِ النساء ، لتوديعهِ الوداع الأخير .
إلى هُنا لا استطيع ان أصفَ لكُم ألمَ الموقف ، بَل لآ استطيع أن أصفَ لَكُم ماذا حَصلَ هُناك – من بعيد رأيتهُم يحملون النَعش على كتفوهم ، أحفادَ جدي الكِبار ، ومن خلفهم جُموعُ من الرِجال ، أعمامي ، أخوالي ، والعائلة . 


وضعوهُ في الوسط أمام الجَميع ، بالبداية لَم استطع رؤيتهِ لتجمعهم حولهُ ، أصابتنا مَوجة أليمة من البُكاء لَم أعهد مثيلها من قبل ، الجَميع يبكي دونَ استثناء ، منهُنَ من بدأ بالصُراخ ، غضبَ أحد أعمامي وقال للرِجال أحملوهُ هذا حرام لآ يجوز الصراخ على الميت هكذا . أنا غضبتُ بشدة واصابتني حُرقة شديدة وبكيتُ أكثر إذ أنه لم يصلني الدور لتوديعهِ ، خالتي حفظها الله طلبت منهُ ان يضعوه بالخارج قليلاً ليتسنى لما نحنُ الحفيدات ان نودعهُ فهذا ليسَ عدلا لنا ، نحنُ لم نصرخ كالبقية ، 


عندها حانَ دوري للأقتراب منهُ لمستُ جبهتهُ وقبلتهُ على جنبيهِ ، شعرتُ ببرودة الأموات تلفهُ .
هذه المَرة الأولى الَتي أقترب لشخصٍ فارقَ الحياة ، ميتٍ أمامي ، فَ كيف وهوَ جَدي
بعد قليل حَملوهُ من جَديد ، إلى بيتهِ الجَديد ، وعيوننا مُعلقة بهِ ، بنظرةِ أخيرة ، شَيّعت جثمانهُ إلى مثواهُ الأخير . 







    يُتبع                             



الخميس، 7 أبريل 2011







كُنتم تعلمون كَم كنتُ مُتلهفة للسَفر خارجاً ، والتحضير لهُ .. بحيث كنتُ اقومُ بعد الأيام والساعات لذاك الحدث العظيم .

لكن!

كُلُ ذلك بما حَوى تبدد بلحظةٍ واحد ، بخبرٍ واحد زَلزلَ تفاصيل فرحتي المنتظرة ، إلى رُكامٍ من الحُزن الأليم ..

وذاكَ ما حدث :

بعدَ عِشاء يوم السبت ، قبل سَفرنا بليلة واحدة ، إجتمع الاهل والأصحاب لتودعينا ، امتلئ البيت بالأحاديث والضحكات الكثيرة .. ورائحة القهوة ، ووجوهاً طيّبة .. أحبها كثيراً 

أنا في تلك الساعة كنت جالسة مع صديقاتي الثلاثة بمجلس يفصلنا عن الكبار بعيداً نسبياً عنهُم ، نتحدث بإمورٍ تهمنــا يتخللها جنون البنات .. وأشياءَ كثيرة 

أثناء جلوسي رنّ هاتفي المحمول وكانت المُتصلة إبنة عَمي ، أجبت على الهاتف بعد الرنين الثالث ، فَوصلني صوتها مُترعٌ بالبُكاء ، تَجمدت أوصالي .. سألتها بإنفعال جلبَ أسماع الآخرين لديّ ، ما بك ِ ؟ قالت / جَدنا مُتعب جداً ( على العلم انهُ في المستشفى ) وأنها منذ ساعة تحاول الإتصال بأبي لكنهُ لآ يجيبُ على هاتفهِ ، 

( أبي خرجَ قبل العشاء بساعة تقريباً بسرعة غير طبيعية بعد تلقيهِ مكالمة ضرورية  ) ، قلتُ لها بأن تهدأ قليلا ولعلهُ خير إن شاءَ الله أقفلتُ الخط بعد أن وعدتها بالإتصال بعد قليل ، ذهبتُ راكضة إلى امي اخبرتها بما حدث ، فإنتبه الجميع إلى محادثتي مع امي .. وسكتَ المجلسُ عن الكلام ، يترقبون أمي وهي تحاول ُ الاتصال بأبي .. لكنهُ لم يجب على الهاتف
بعد دقائق عادت أبنة عمي بالإتصال أخبرتها انه لم يجب على هاتف امي ايضاً ، فأجشهت بالبُكاء من جديد .. لم اتحمل ذلك فأققفلت الخط ، وجسدي يرتجف خوفاً ، ومعنوياتي التي كانت تحلو السماء بلهفة .. تساقطت بقوة حطمت فرحتي بصمتٍ لآ يشوبهُ سوى معالم وجهي الغريبة / 


بعد قليل قام خالي بالإتصال على عمي ليعلمَ منهُ أي شيء ، قال بإنهُ سيعاود الإتصال به بعد قليل ..
بعد مرور 5 دقائق كأنها سنونَ والله ، عاد عمي بالإتصال على خالي .. ومن تفاصيل وجه خالي علمتُ أن الوضع مٌستتب أقفلَ المكالمة واخبر الجَميع بإن وضع جدي حالياً مُستقر ولا شيءَ يدعو للخوف ، هل تعلمون أي شعورٍ أصابني في تلك اللحظة ؟ عجزتُ والله عن الوقوف فهويتُ على الكرسي جالسة ، ودموعي سبقت حروفي بالخروج على الملأ ، ولساني يجهش الحمدلله الحمدلله ، اللهُم إشفهِ وعافهِ يا رب ..

عاد الجميع للحديث ، وإتصلت بإبنة عمي طمأنتها بأنهُ بخير ولا شيء يدعو للقلق ، أحسست بأنها لم تصدقني فأكدت لها ذلك فهدأت تقريباً وانهت المُكالمة وهي شبه مرتاحة .

أما انا فمعنوياتي بقيت في الحضيض رغمَ تحسن حالة جدي ، إلآ انَ قلبي بقي في حالة نفور شديد من أي شيء .
بعد رحيل الجميع من بيتنا ، والترتيب مَع امي ، جاءني أخي يناديني ، يخبرني بأن أبن خالي حفظهُ الله يريد مكالمتي وتوديعي قبل السفر إذ لم يتسنى لي مكالمتهُ عبر الشبكة العنكبوتية ، بعد السلام عليكُم وكيفَ الحال ، سألني عن معنوياتي ، فأجبتهُ : بأنها في الحضيض ، سألني لماذا ؟ أخبرتهُ عن السبب ، فَ بدأ بتشجيعي رويداً رويداً حتى عادت الحياة إلى قلبي من جديد ، وشيئاً قليلا ارتفعت معنوياتي ، شكرتهُ على مها تفتي والحديث َ معي ،  

الساعة الحادية عشر مساءاً أويتُ اخيراً إلى الفراش ، لكن النوم لم يأتيني تلك الساعة ، بقيتُ مستيقظة حَتى تعبتُ واستسلمتُ نهائياً للنوم وكان ذلك الساعة الواحدة تقريباً بعد منتصف الليل .
أحسستُ على جلبة خفيفة في البيت ، الظلام يخيم على المكان ، نظرت إلى الساعة فوجدتها الواحدة والنصف ، أي بعد غفوتي بنصف ساعة ، كان أبي يبحث عن مفاتيح السيارة وأمي بجانبهِ .. وجدها فخرجَ من المنزل ،
شعرت ُ بخطبٍ ما لكنني بقيتُ في وضعيتي لم أتحرك .. انتظرت مجيء أبي ، فعاد بعد حوالي ربع ساعة /
أشعلت أمي الأضواء ، نهضت من فراشي فرأيتُ أبي وأمي وأخي الصغير يهمون بمغادرة المَنزل ، سألتهُم وإنا شبه نائمة ماذا هُناك ؟ قالَ أبي : توفيَ جُدك .. إنَ لله وإن إليه راجعون  ....






                                                                                                          يُتبع